
بينما كان أبو محمد الجولاني يقنن “حد الردة” تحت مظلة “هيئة تحرير الشام” في إدلب، كانت عائلة سورية تراقب وتتعلم.
هربت تلك العائلة إلى هولندا عام 2012 خوفاً من إرهاب تلك الجماعات، لتحمل معها بذور نفس الفكر الذي هربت منه، وتغرسها في بيتها.
كانت الضحية ريان النجار (18 عاماً). جريمتها؟ قرار شخصي بخلع الحجاب.
العقوبة؟ قضاءٌ عاجل على طريقة الفكر التكفيري.
قام أبوها وإخوتها بربطها وإلقائها في الماء وهي حية، مربوطة بحبل طوله 18 متراً من الكراهية.
تحمل ضوافرها دليلاً مأساوياً: حمض الأب النووي، شاهِداً على مقاومتها وصُراخها الذي لم يُجدِ نفعاً أمام قلب متحجر.
الهارب من إدلب.. إلى إدلب
بعد الجريمة ، هرب الأب مرة أخرى. لكن هذه المرة ، لم يهرب من إرهاب الجولاني ، بل إليه.
وجد ملاذه في إدلب نفسها، أو ما أصبح يعرف اليوم بمعقل سلطة الجولاني التي امتدت لتسيطر على دمشق.
ومن هناك ، بعث باعترافه لجريدة هولندية في محاولة لتنقية سجل أبنائه الذين سيقفون للمحاكمة.
والمآساة المزدوجة هي ضحية الفكر ورهينة السياسة وقصة ريان تضعنا أمام مآساة مزدوجة:
1. ضحية الفكر: هي ثمرة مريرة لخطاب التكفير والتطرف الذي غذته سلطة الجولاني وعنفها الأيديولوجي. عائلتها لم تهرب من أفكاره الحقيقية، بل تبنتها ونفذتها في أكثر المجتمعات حرية.
2. رهينة السياسة: تُستخدم جريمة كهذه اليوم كذريعة جاهزة من قبل بعض الأطراف الأوروبية المتشددة لتعميم الصورة النمطية ودفع سياسات ترحيل جماعي تستهدف السوريين السنّة، رغم أن الغالبية العظمى من السنة السوريين معتدلون ويشجبون هذه الأفعال. السني السوري يصبح رهينة لفعل متطرف يرفضه، في حين تفلت السلطة التكفيرية الأم (سلطة الجولاني) من المساءلة.
الفكر المتطرف لا يعرف حدوداً
ريان لم تُقتل في سوريا ، بل في هولندا. جريمتها لم تكن ضد قانون ، بل ضد عقلية مغلقة.
هرب أهلها من سلطة إرهابية في إدلب عام 2012، ليجدوا أنفسهم اليوم خاضعين لنفس السلطة التي تحكم دمشق.
الفكر التكفيري مثل النار في الهشيم؛ يمكن أن تهرب من مكانها، لكنها تندلع أينما وجدت وقوداً لها.
والضحايا دائماً هم الأبرياء: مرة تحت وطأة التكفير ، ومرة تحت وصمة جماعية ظالمة.



